الآية: 19 ( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب )
قوله تعالى: « أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى » هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، وروي أنها نزلت في حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه، وأبي جهل لعنه الله. والمراد بالعمى عمى القلب، والجاهل بالدين أعمى القلب. « إنما يتذكر أولو الألباب » .
الآية: 20 ( الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق )
قوله تعالى: « الذين يوفون بعهد الله » هذا من صفة ذوي الألباب، أي إنما يتذكر أولو الألباب الموفون بعهد الله. والعهد اسم الجنس؛ أي بجميع عهود الله، وهي أوامره ونواهيه التي وصى بها عبيده؛ ويدخل في هذه الألفاظ التزام جميع الفروض، وتجنب جميع المعاصي. وقوله: « ولا ينقضون الميثاق » يحتمل أن يريد به جنس المواثيق، أي إذا عقدوا في طاعة الله عهدا لم ينقضوه. قال قتادة: تقدم الله إلى عباده في نقض الميثاق ونهى عنه في بضع وعشرين آية؛ ويحتمل أن يشير إلى ميثاق بعينه، هو الذي أخذه الله على عباده حين أخرجهم من صلب أبيهم آدم. وقال القفال: هو ما ركب في عقولهم من دلائل التوحيد والنبوات.
روى أبو داود وغيره عن عوف بن مالك قال: ( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أو ثمانية أو تسعة فقال: ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا حديث عهد ببيعة فقلنا: قد بايعناك حتى قالها ثلاثا؛ فبسطنا أيدينا فبايعناه، فقال قائل: يا رسول الله! إنا قد بايعناك فعلى ماذا نبايعك؟ قال: ( أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وتصلوا الصلوات الخمس وتسمعوا وتطيعوا وأسر كلمة خفية - قال: لا تسألوا الناس شيئا ) . قال: ولقد كان بعضد، أولئك النفر يسقط - سوطه فما يسأل أحدا أن يناوله. إياه. قال ابن العربي: من أعظم المواثيق في الذكر ألا يسأل سواه؛ فقد كان أبو حمزة الخراساني من كبار العباد سمع أن أناسا بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يسألوا أحدا شيئا، الحديث؛ فقال أبو حمزة: رب! إن هؤلاء عاهدوا نبيك إذ رأوه، وأنا أعاهدك ألا أسأل أحدا شيئا؛ قال: فخرج حاجا من الشام يريد مكة فبينما هو يمشي في الطريق من الليل إذ بقي عن أصحابه لعذر ثم أتبعهم، فبينما هو يمشي إليهم إذ سقط في بئر على حاشية الطريق؛ فلما حل في قعره قال: استغيث لعل أحدا يسمعني. ثم قال: إن الذي عاهدته يراني ويسمعني، والله! لا تكلمت بحرف للبشر، ثم لم يلبث إلا يسيرا إذ مر بذلك البئر نفر، فلما رأوه على حاشية الطريق قالوا: إنه لينبغي سد هذا البئر؛ ثم قطعوا خشبا ونصبوها على فم البئر وغطوها بالتراب؛ فلما رأى ذلك أبو حمزة قال: هذه مهلكة، ثم أراد أن يستغيث بهم، ثم قال: والله! لا أخرج منها أبدا؛ ثم رجع إلى نفسه فقال: أليس قد عاهدت من يراك؟ فسكت وتوكل، ثم استند في قعر البئر مفكرا في أمره، فإذا بالتراب يقع عليه؛ والخشب يرفع عنه، وسمع في أثناء ذلك من يقول: هات يدك! قال: فأعطيته يدي فأقلني في مرة واحدة إلى فم البئر؛ فخرجت فلم أر أحدا؛ فسمعت هاتفا يقول: كيف رأيت ثمرة التوكل؛ وأنشد:
نهاني حيائي منك أن أكشف الهوى فأغنيتني بالعلم منك عن الكشف
تلطفت في أمري فأبديت شاهدي إلى غائبي واللطف يدرك باللطف
تراءيت لي بالعلم حتى كأنما تخبرني بالغيب أنك في كف
أراني وبي من هيبتي لك وحشة فتؤنسني باللطف منك وبالعطف
وتحيي محبا أنت في الحب حتفه وذا عجب كيف الحياة مع الحتف
قال ابن العربي: هذا رجل عاهد الله فوجد الوفاء على التمام والكمال، فاقتدوا به إن شاء الله تهتدوا. قال أبو الفرج الجوزي: سكوت هذا الرجل في هذا المقام على التوكل بزعمه إعانة على نفسه، وذلك لا يحل؛ ولو فهم معنى التوكل لعلم أنه لا ينافي استغاثته في تلك الحالة؛ كما لم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من التوكل بإخفائه الخروج من مكة، واستئجاره دليلا، واستكتامه ذلك الأمر، واستتاره في الغار، وقوله لسراقة: ( اخف عنا ) . فالتوكل الممدوح لا ينال بفعل محظور؛ وسكوت هذا الواقع في البئر محظور عليه، وبيان ذلك أن الله تعالى قد خلق للآدمي آلة يدفع عنه بها الضرر، وآلة يجتلب بها النفع، فإذا عطلها مدعيا للتوكل كان ذلك جهلا بالتوكل، وردا لحكمة التواضع؛ لأن التوكل إنما هو اعتماد القلب على الله تعالى، وليس من ضرورته قطع الأسباب؛ ولو أن إنسانا جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار؛ قاله سفيان الثوري وغيره، لأنه قد دل على طريقة السلامة، فإذا تقاعد عنها أعان على نفسه. وقال أبو الفرج: ولا التفات إلى قول أبي حمزة: « فجاء أسد فأخرجني » فإنه إن صح ذلك فقد يقع مثله اتفاقا وقد يكون لطفا من الله تعالى بالعبد الجاهل، ولا ينكر أن يكون الله تعالى لطف به، إنما ينكر فعله الذي هو كسبه، وهو إعانته على نفسه التي هي وديعة لله تعالى عنده، وقد أمره بحفظها.
الآية: 21 ( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب )
قوله تعالى: « والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل » ظاهر في صلة الأرحام، وهو قول قتادة وأكثر المفسرين، وهو مع ذلك يتناول جميع الطاعات. « ويخشون ربهم } قيل: في قطع الرحم. وقيل: في جميع المعاصي. » ويخافون سوء الحساب « سوء الحساب الاستقصاء فيه والمناقشة؛ ومن نوقش الحساب عذب. وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: معنى. » يصلون ما أمر الله به « الإيمان بجميع الكتب والرسل كلهم. الحسن: هو صلة محمد صلى الله عليه وسلم. ويحتمل رابعا: أن يصلوا الإيمان بالعمل الصالح؛ » ويخشون ربهم « فيما أمرهم بوصله، » ويخافون سوء الحساب « في تركه؛ والقول الأول يتناول هذه الأقوال كما ذكرنا، وبالله توفيقنا.»
الآية: 22 ( والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار )
قوله تعالى: « والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم » قيل: « الذين » مستأنف؛ لأن « صبروا » ماض فلا ينعطف على « يوفون » وقيل.: هو من وصف من تقدم، ويجوز الوصف تارة بلفظ الماضي، وتارة بلفظ المستقبل؛ لأن المعنى من يفعل كذا فله كذا؛ ولما كان « الذين » يتضمن الشرط، والماضي في الشرط كالمستقبل جاز ذلك؛ ولهذا قال: « الذين يوفون » ثم قال: « والذين صبروا » ثم عطف عليه فقال: « ويدرؤون بالحسنة السيئة » قال ابن زيد: صبروا على طاعة الله، وصبروا عن معصية الله. وقال عطاء: صبروا على الرزايا والمصائب، والحوادث والنوائب. وقال أبو عمران الجوني: صبروا على دينهم ابتغاء وجه الله « وأقاموا الصلاة » أدوها بفروضها وخشوعها في مواقيتها. « وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية » يعني الزكاة المفروضة، عن ابن عباس، وقد مضى القول في هذا في « البقرة » وغيرها. « ويدرؤون بالحسنة السيئة » أي يدفعون بالعمل الصالح السيء من الأعمال، قال ابن عباس. ابن زيد: يدفعون الشر بالخير. سعيد بن جبير: يدفعون المنكر بالمعروف. الضحاك: يدفعون الفحش بالسلام. جويبر: يدفعون الظلم بالعفو. ابن شجرة: يدفعون الذنب بالتوبة. القتبي: يدفعون سفه الجاهل بالحلم؛ فالسفه السيئة، والحلم الحسنة. وقيل: إذا هموا بسيئة رجعوا عنها واستغفروا. وقيل: يدفعون الشرك بشهادة أن لا إله إلا الله؛ فهذه تسعة أقوال، معناها كلها متقارب، والأول يتناولها بالعموم؛ ونظيره: « إن الحسنات يذهبن السيئات » [ هود: 114 ] ومنه قول عليه السلام لمعاذ: ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) . قوله تعالى: « أولئك لهم عقبى الدار » أي عاقبة الآخرة، وهي الجنة بدل النار، والدار غدا داران: الجنة للمطيع، والنار للعاصي؛ فلما ذكر وصف المطيعين فدارهم الجنة لا محالة. وقيل: عني بالدار دار الدنيا؛ أي لهم جزاء ما عملوا من الطاعات في دار الدنيا.
الآيتان: 23 - 24 ( جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار )
قوله تعالى: « جنات عدن يدخلونها » أي لهم جنات عدن؛ فـ « جنات عدن » بدل من « عقبي » ويجوز أن تكون تفسيرا لـ « عقبى الدار » أي لهم دخول جنات عدن؛ لأن « عقبى الدار » حدث و « جنات عدن » عين، والحدث إنما يفسر بحدث مثله؛ فالمصدر المحذوف مضاف إلى المفعول. ويجوز أن يكون « جنات عدن » خبر ابتداء محذوف. و « جنات عدن » وسط الجنة وقصبتها، وسقفها عرش الرحمن؛ قال القشيري أبو نصر عبدالملك. وفي صحيح البخاري: ( إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة ) فيحتمل أن يكون « جنات » كذلك إن صح فذلك خبر. وقال عبدالله بن عمرو: إن في الجنة قصرا يقال له عدن، حوله البروج والمروج؛ فيه ألف باب، على كل باب خمسة آلاف حبرة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد. و « عدن » مأخوذ من عدن بالمكان إذا أقام فيه؛ على ما يأتي بيانه في سورة « الكهف » إن شاء الله تعالى. « ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم » يجوز أن يكون معطوفا على « أولئك » المعنى: أولئك ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم لهم عقبى الدار. ويجوز أن يكون معطوفا على الضمير المرفوع في « يدخلونها » وحسن العطف لما حال الضمير المنصوب بينهما. ويجوز أن يكون المعنى: يدخلونها ويدخلها من صلح من آبائهم، أي من كان صالحا، لا يدخلونها بالأنساب. ويجوز أن يكون موضع « من » نصبا على تقدير: يدخلونها مع من صلح من آبائهم، وإن لم يعمل مثل أعمالهم يلحقه الله بهم كرامة لهم. وقال ابن عباس: هذا الصلاح الإيمان بالله والرسول، ولو كان لهم مع الإيمان طاعات أخرى لدخلوها بطاعتهم لا على وجه التبعية. قال القشيري: وفي هذا نظر؛ لأنه لا بد من الإيمان، فالقول في اشتراط العمل الصالح كالقول في اشتراط الإيمان. فالأظهر أن هذا الصلاح في جملة الأعمال، والمعنى: أن النعمة غدا تتم عليهم بأن جعلهم مجتمعين مع قراباتهم في الجنة، وإن دخلها كل إنسان بعمل نفسه؛ بل برحمة الله تعالى.
قوله تعالى: « والملائكة يدخلون عليهم من كل باب » أي بالتحف والهدايا من عند الله تكرمة لهم. « سلام عليكم » أي يقولون: سلام عليكم؛ فأضمر القول، أي قد سلمتم من الآفات والمحن. وقيل: هو دعاء لهم بدوام السلامة، وإن كانوا سالمين، أي سلمكم الله، فهو خبر معناه الدعاء؛ ويتضمن الاعتراف بالعبودية. « بما صبرتم » أي بصبركم؛ فـ « ما » مع الفعل بمعنى المصدر، والباء في « بما » متعلقة بمعنى. « سلام عليكم » ويجوز أن تتعلق بمحذوف؛ أي هذه الكرامة بصبركم، أي على أمر الله تعالى ونهيه؛ قال سعيد بن جبير. وقيل: على الفقر في الدنيا؛ قاله أبو عمران الجوني. وقيل: على الجهاد في سبيل الله؛ كما روي عن عبدالله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هل تدرون من يدخل الجنة من خلق الله ) ؟ قالوا: الله ورسول أعلم؛ قال: ( المجاهدون الذين تسد بهم الثغور وتتقي بهم المكاره فيموت أحدهم وحاجته في نفسه لا يستطيع لها قضاء فتأتيهم الملائكة فيدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) . وقال محمد بن إبراهيم: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان؛ وذكره البيهقي عن أبي هريرة قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي الشهداء، فإذا أتى فرضة الشعب يقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) . ثم كان أبو بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، وكان عمر بعد أبي بكر يفعله، وكان عثمان بعد عمر يفعله. وقال الحسن البصري رحمه الله: « بما صبرتم » عن فضول الدنيا. وقيل: « بما صبرتم » على ملازمة الطاعة، ومفارقة المعصية؛ قال معناه الفضيل بن عياض. ابن زيد: « بما صبرتم » عما تحبونه إذا فقدتموه. ويحتمل سابعا - « بما صبرتم » عن اتباع الشهوات. وعن عبدالله بن سلام وعلي بن الحسين رضي الله عنهم أنهما قالا: إذا كان يوم القيامة ينادي مناد ليقم أهل الصبر؛ فيقوم ناس من الناس فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة؛ قالوا: قبل الحساب؟ قالوا نعم! فيقولون: من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل الصبر، قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبرناها عن معاصي الله وصبرناها على البلاء والمحن في الدنيا. قال علي بن الحسين: فتقول لهم الملائكة: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. وقال ابن سلام: فتقول لهم الملائكة: « سلام عليكم بما صبرتم » . « فنعم عقبى الدار » أي نعم عاقبة الدار التي كنتم فيها؛ عملتم فيها ما أعقبكم هذا الذي أنتم فيه؛ فالعقبى على هذا اسم، و « الدار » هي الدنيا. وقال أبو عمران الجوني: « فنعم عقبى الدار » الجنة عن النار. وعنه: « فنعم عقبى الدار » الجنة عن الدنيا.
الآية: 25 ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار )
قوله تعالى: « والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه » لما ذكر الموفين بعهده، والمواصلين لأمره، وذكر ما لهم ذكر عكسهم. نقض الميثاق: ترك أمره. وقيل: إهمال عقولهم، فلا يتدبرون بها ليعرفوا الله تعالى. « ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل » أي من الأرحام. والإيمان بجميع الأنبياء. « ويفسدون في الأرض » أي بالكفر وارتكاب المعاصي « أولئك لهم اللعنة » أي الطرد والإبعاد من الرحمة. « ولهم سوء الدار » أي سوء المنقلب، وهو جهنم. وقال سعد بن أبي وقاص: والله الذي لا إله إلا هو ! إنهم الحرورية.
الآية: 26 ( الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع )
قوله تعالى: « الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر » لما ذكر عاقبة المؤمن وعاقبة المشرك بين أنه تعالى الذي يبسط الرزق ويقدر في الدنيا، لأنها دار امتحان؛ فبسط الرزق على الكافر لا يدل على كرامته، والتقتير على بعض المؤمنين لا يدل على إهانتهم. « ويقدر » أي يضيق؛ ومنه « ومن قدر عليه رزقه » [ الطلاق: 7 ] أي ضيق. وقيل: « يقدر » يعطي بقدر الكفاية. « وفرحوا بالحياة الدنيا » يعني مشركي مكة؛ فرحوا بالدنيا ولم يعرفوا غيرها، وجهلوا ما عند الله؛ وهو معطوف على « ويفسدون في الأرض » . وفي الآية تقديم وتأخير؛ التقدير: والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض وفرحوا بالحياة الدنيا. « وما الحياة الدنيا في الآخرة » أي في جنبها. « إلا متاع » أي متاع من الأمتعة، كالقصعة والسكرجة. وقال مجاهد: شيء قليل ذاهب؛ من متع النهار إذا ارتفع؛ فلا بد له من زوال. ابن عباس: زاد كزاد الراعي. وقيل: متاع الحياة الدنيا ما يستمتع بها منها. وقيل: ما يتزود منها إلى الآخرة، من التقوى والعمل الصالح، « ولهم سوء الدار » ثم ابتدأ. « الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر » أي يوسع ويضيق.
الآية: 27 ( ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب )
قوله تعالى: « ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه » بين في مواضع أن اقتراح الآيات على الرسل جهل، بعد أن رأوا آية واحدة تدل على الصدق، والقائل، عبدالله بن أبي أمية وأصحابه حين طالبوا النبي صلى الله عليه وسلم بالآيات. « قل إن الله يضل من يشاء » عز وجل « يضل من يشاء » أي كما أضلكم بعد ما أنزل من الآيات وحرمكم الاستدلال بها يضلكم عند نزول غيرها. « ويهدي إليه من أناب » أي من رجع. والهاء في « إليه » للحق، أو للإسلام، أو لله عز وجل؛ على تقدير: ويهدي إلى دينه وطاعته من رجع إليه بقلبه. وقيل: هي للنبي صلى الله عليه وسلم.
الآية: 28 ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب )
قوله تعالى: « الذين آمنوا » « الذين » في موضع نصب، لأنه مفعول؛ أي يهدي الله الذين أمنوا. وقيل بدل من قوله: « من أناب » فهو في محل نصب أيضا. « وتطمئن قلوبهم بذكر الله » أي تسكن وتستأنس بتوحيد الله فتطمئن؛ قال: أي وهم تطمئن قلوبهم على الدوام بذكر الله بألسنتهم؛ قال قتادة: وقال مجاهد وقتادة وغيرهما: بالقرآن. وقال سفيان بن عيينة: بأمره. مقاتل: بوعده. ابن عباس: بالحلف باسمه، أو تطمئن بذكر فضله وإنعامه؛ كما تَْوجل بذكر عدله وانتقامه وقضائه. وقيل: « يذكر الله » أي يذكرون الله ويتأملون آياته فيعرفون كمال قدرته عن بصيرة.
قوله تعالى: « ألا بذكر الله تطمئن القلوب » أي قلوب المؤمنين. قال ابن عباس: هذا في الحلف؛ فإذا حلف خصمه بالله سكن قلبه. وقيل: « بذكر الله » أي بطاعة الله. وقيل: بثواب الله. وقيل: بوعد الله. وقال مجاهد: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.