الآية: 10 ( إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار )
معناه بَيِّن، أي لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئا. وقرأ السلمي « لن يغني » بالياء لتقدم الفعل ودخول الحائل بين الاسم والفعل. وقرأ الحسن « يُغْني » بالياء وسكون الياء الآخرة للتخفيف؛ كقول الشاعر:
كفى باليأس من أسماء كافي وليس لسقمها إذ طال شافي
وكان حقه أن يقول كافيا، فأرسل الياء. وأنشد الفراء في مثله:
كأن أيديهن بالقاع القَرِقْ أيدي جوار يتعاطين الوَرِق
القَرِقُ والقَرِقَة لغتان في القاع. و « من » في قوله « من الله » بمعنى عند؛ قاله أبو عبيدة. « أولئك هم وقود النار » والوقود اسم للحطب، وقد تقدم في « البقرة » . وقرأ الحسن ومجاهد وطلحة بن مصرف « وقود » بضم الواو على حذف مضاف تقديره حطب وقود النار. ويجوز في العربية إذا ضم الواو أن تقول أقود مثل أُقتت. والوقود بضم الواو المصدر؛ وقدت النار تقد إذا اشتعلت. وخرج ابن المبارك من حديث العباس بن عبدالمطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يظهر هذا الدين حتى يجاوز البحار وحتى تخاض البحار بالخيل في سبيل الله تبارك وتعالى ثم يأتي أقوام يقرؤون القرآن فإذا قرؤوه قالوا من أقرأ منا من أعلم منا؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: هل ترون في أولئكم من خير ) ؟ قالوا لا. قال: ( أولئك منكم وأولئك من هذه الأمة وأولئك هم وقود النار ) .
الآية: 11 ( كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب )
الدأب العادة والشأن. ودأب الرجل في عمله يدأب دأبا ودؤوبا إذا جد واجتهد، وأدأبته أنا. وأدأب بعيره إذا جهده في السير. والدائبان الليل والنهار. قال أبو حاتم: وسمعت يعقوب يذكر « كدأب » بفتح الهمزة، وقال لي وأنا غليم: على أي شيء يجوز « كدأب » ؟ فقلت له: أظنه من دَئِب يدْأَب دَأَبا. فقبل ذلك مني وتعجب من جودة تقديري على صغري؛ ولا أدري أيقال أم لا. قال النحاس: « وهذا القول خطأ، لا يقال البتة دَئِب؛ وإنما يقال: دَأَب يدْأَب دُؤوبا ودَأْبا؛ هكذا حكى النحويون، منهم الفراء حكاه في كتاب المصادر؛ كما قال امرؤ القيس: »
كدأبك من أم الحويرث قبلها وجارتها أم الرباب بمأسل
فأما الدَّأَب فإنه يجوز؛ كما يقال: شَعْر وشَعَر ونَهْر ونَهَر؛ لأن فيه حرفا من « حروف الحلق » . واختلفوا في الكاف؛ فقيل: هي في موضع رفع تقديره دأبهم كدأب آل فرعون، أي صنيع الكفار معك كصنيع آل فرعون مع موسى. وزعم الفراء أن المعنى: كفرت العرب ككفر آل فرعون. قال النحاس: لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا، لأن كفروا داخلة في الصلة. وقيل: هي متعلقة بـ « أخذهم الله » ، أي أخذهم أخذا كما أخذ آل فرعون. وقيل: هي متعلقة بقوله « لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم... » [ آل عمران: 10 ] أي لم تغن عنهم غناء كما لم تغن الأموال والأولاد عن آل فرعون. وهذا جواب لمن تخلف عن الجهاد وقال: شغلتنا أموالنا وأهلونا. ويصح أن يعمل فيه فعل مقدر من لفظ الوقود، ويكون التشبيه في نفس الاحتراق. ويؤيد هذا المعنى « ... وحاق بآل فرعون سوء العذاب. النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب » [ المؤمن: 46 ] . والقول الأول أرجح، واختاره غير واحد من العلماء. قال ابن عرفة: « كدأب آل فرعون » أي كعادة آل فرعون. يقول: اعتاد هؤلاء الكفرة الإلحاد والإعنات للنبي صلى الله عليه وسلم كما اعتاد آل فرعون من إعنات الأنبياء؛ وقال معناه الأزهري. فأما قوله في سورة ( الأنفال ) « كدأب آل فرعون » فالمعنى جوزي هؤلاء بالقتل والأسر كما جوزي آل فرعون بالغرق والهلاك. « بآياتنا » يحتمل أن يريد الآيات المتلوة، ويحتمل أن يريد الآيات المنصوبة للدلالة على الوحدانية. « فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب » .
الآية: 12 ( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد )
يعني اليهود، قال محمد بن إسحاق: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا ببدر وقدم المدينة جمع اليهود فقال: ( يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم فقد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم ) ، فقالوا: يا محمد، لا يغرنك أنك قتلت أقواما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس. فأنزل الله تعالى: « قل للذين كفروا ستغلبون » بالتاء يعني اليهود: أي تهزمون « وتحشرون إلى جهنم » في الآخرة. فهذه رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس. وفي رواية أبي صالح عنه أن اليهود لما فرحوا بما أصاب المسلمين يوم أحد نزلت. فالمعنى على هذا « سيغلبون » بالياء، يعني قريشا، « ويحشرون » بالياء فيهما، وهي قراءة نافع. « وبئس المهاد » يعني جهنم؛ هذا ظاهر الآية. وقال مجاهد: المعنى بئس ما مهدوا لأنفسهم، فكأن المعنى: بئس فعلهم الذي أداهم إلى جهنم.
الآية: 13 ( قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار )
قوله تعالى: « قد كان لكم آية » أي علامة. وقال « كان » ولم يقل « كانت » لأن « آية » تأنيثها غير حقيقي. وقيل: ردها إلى البيان، أي قد كان لكم بيان؛ فذهب إلى المعنى وترك اللفظ؛ كقول امرئ القيس:
برهرهة رؤدة رخصة كخرعوبة البانة المنفطر
ولم يقل المنفطرة؛ لأنه ذهب إلى القضيب. وقال الفراء: ذكره لأنه فرق بينهما بالصفة، فلما حالت الصفة بين الاسم والفعل ذكر الفعل. وقد مضى هذا المعنى في البقرة في قوله تعالى: « كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية » [ البقرة: 180 ]
قوله تعالى: « في فئتين التقتا » يعني المسلمين والمشركين يوم بدر « فئة » قرأ الجمهور « فئة » بالرفع، بمعنى إحداهما فئة. وقرأ الحسن ومجاهد « فئة » بالخفض « وأخرى كافرة » على البدل. وقرأ ابن أبي عبلة بالنصب فيهما. قال أحمد بن يحيى: ويجوز النصب على الحال، أي التقتا مختلفتين مؤمنة وكافرة. قال الزجاج: النصب بمعنى أعني. وسميت الجماعة من الناس فئة لأنها يفاء إليها، أي يرجع إليها في وقت الشدة. وقال الزجاج: الفئة الفرقة، مأخوذة من فَأَوْتُ رأسه بالسيف - ويقال: فأيته - إذا فلقته. ولا خلاف أن الإشارة بهاتين الفئتين هي إلى يوم بدر. واختلف من المخاطب بها؛ فقيل: يحتمل أن يخاطب بها المؤمنون، ويحتمل أن يخاطب بها جميع الكفار، ويحتمل أن يخاطب بها يهود المدينة؛ وبكل احتمال منها قد قال قوم. وفائدة الخطاب للمؤمنين تثبيت النفوس وتشجيعها حتى يقدموا على مثليهم وأمثالهم كما قد وقع.
قوله تعالى: « يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار » قال أبو علي الرؤية في هذه الآية رؤية عين؛ ولذلك تعدت إلى مفعول واحد. قال مكي والمهدوي: يدل عليه « رَأْيَ العين » . وقرأ نافع « ترونهم » بالتاء والباقون بالياء. « مثليهم » نصب على الحال من الهاء والميم في « ترونهم » . والجمهور من الناس على أن الفاعل بترون هم المؤمنون، والضمير المتصل هو للكفار. وأنكر أبو عمرو أن يقرأ « ترونهم » بالتاء؛ قال: ولو كان كذلك لكان مثليكم. قال النحاس « وذا لا يلزم، ولكن يجوز أن يكون مثلي أصحابكم. قال مكي: « ترونهم » بالتاء جرى على الخطاب في » لكم « فيحسن أن يكون الخطاب للمسلمين، والهاء والميم للمشركين. وقد كان يلزم من قرأ بالتاء أن يقرأ مثليكم بالكاف، وذلك لا يجوز لمخالفة الخط؛ ولكن جرى الكلام على الخروج من الخطاب إلى الغيبة، كقوله تعالى: » حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم « [ يونس: 22 ] ، وقوله تعالى: » وما آتيتم من زكاة « [ الروم: 39 ] فخاطب ثم قال: » فأولئك هم المضعفون « [ الروم: 39 ] فرجع إلى الغيبة. فالهاء والميم في « مثليهم » يحتمل أن يكون للمشركين، أي ترون أيها المسلمون المشركين مثلي ما هم عليه من العدد؛ وهو بعيد في المعنى؛ لأن الله تعالى لم يكثر المشركين في أعين المسلمين بل أعلمنا أنه قللهم في أعين المؤمنين، فيكون المعنى ترون أيها المؤمنون المشركين مثليكم في العدد وقد كانوا ثلاثة أمثالهم، فقلل الله المشركين في أعين المسلمين فأراهم إياهم مثلي عدتهم لتقوى أنفسهم ويقع التجاسر، وقد كانوا أعلموا أن المائة منهم تغلب المائتين من الكفار، وقلل المسلمين في أعين المشركين ليجترئوا عليهم فينفذ حكم الله فيهم. ويحتمل أن يكون الضمير في « مثليهم » للمسلمين، أي ترون أيها المسلمون المسلمين مثلي ما أنتم عليه من العدد، أي ترون أنفسكم مثلي عددكم؛ فعل الله ذلك بهم لتقوى أنفسهم على لقاء المشركين. والتأويل الأول أولى؛ يدل عليه قوله تعالى: » إذ يريكهم الله في منامك قليلا « [ الأنفال: 43 ] وقوله: » وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا « [ الأنفال:44 ] وروي عن ابن مسعود أنه قال: قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أظنهم مائة فلما أخذنا الأسارى أخبرونا أنهم كانوا ألفا. وحكى الطبري عن قوم أنهم قالوا: بل كثر الله عدد المؤمنين في عيون الكافرين حتى كانوا عندهم ضعفين. وضعف الطبري هذا القول. قال ابن عطية: وكذلك هو مردود من جهات. بل قلل الله المشركين في أعين المؤمنين كما تقدم. وعلى هذا التأويل كان يكون » ترون « للكافرين، أي ترون أيها الكافرون المؤمنين مثليهم، ويحتمل مثليكم، على ما تقدم. وزعم الفراء أن المعنى ترونهم مثليهم ثلاثة أمثالهم. وهو بعيد غير معروف في اللغة. قال الزجاج: وهذا باب الغلط، فيه غلط في جميع المقاييس؛ لأنا إنما نعقل مثل الشيء مساويا له، ونعقل مثله ما يساويه مرتين. قال ابن كيسان: وقد بين الفراء قوله بأن قال: كما تقول وعندك عبد: أحتاج إلى مثله، فأنت محتاج إليه وإلى مثله. وتقول: أحتاج إلى مثليه، فأنت محتاج إلى ثلاثة. والمعنى على خلاف ما قاله، واللغة. والذي أوقع الفراء في هذا أن المشركين كانوا ثلاثة أمثال المؤمنين يوم بدر؛ فتوهم أنه لا يجوز أن يكونوا يرونهم إلا على عدتهم، وهذا بعيد وليس المعنى عليه. وإنما أراهم الله على غير عدتهم لجهتين: إحداهما أنه رأى الصلاح في ذلك، لأن المؤمنين تقوى قلوبهم بذلك. والأخرى أنه آية للنبي صلى الله عليه وسلم. وسيأتي ذكر وقعة بدر إن شاء الله تعالى. وأما قراءة الياء فقال ابن كيسان: الهاء والميم في » يرونهم « عائدة على » وأخرى كافرة « والهاء والميم في « مثليهم » عائدة على » فئة تقاتل في سبيل الله « وهذا من الإضمار الذي يدل عليه سياق الكلام، وهو قوله: » يؤيد بنصره من يشاء « . فدل ذلك على أن الكافرين كانوا مثلي المسلمين في رأي العين وثلاثة أمثالهم في العدد. قال: والرؤية هنا لليهود. وقال مكي: الرؤية للفئة المقاتلة في سبيل الله، والمرئية الفئة الكافرة؛ أي ترى الفئة المقاتلة في سبيل الله الفئة الكافرة مثلي الفئة المؤمنة، وقد كانت الفئة الكافرة ثلاثة أمثال المؤمنة فقللهم الله في أعينهم على ما تقدم. والخطاب في » لكم « لليهود. وقرأ ابن عباس وطلحة » تُروهم « بضم التاء، والسلمي بالتاء المضمومة على ما لم يسم فاعله. » والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار « تقدم معناه والحمد لله.»
الآية: 14 ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب )
قوله تعالى: « زين للناس » زين من التزيين واختلف الناس من المزين؛ فقالت فرقة: الله زين ذلك؛ وهو ظاهر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ذكره البخاري. وفي التنزيل: « إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها » [ الكهف: 7 ] ؛ ولما قال عمر: الآن يا رب حين زينتها لنا! نزلت: « قل أأنبئكم بخير من ذلكم » [ آل عمران: 15 ] وقالت فرقة: المزين هو الشيطان؛ وهو ظاهر قول الحسن، فإنه قال: من زينها؟ ما أحد أشد لها ذما من خالقها. فتزيين الله تعالى إنما هو بالإيجاد والتهيئة للانتفاع وإنشاء الجبلة على الميل إلى هذه الأشياء. وتزيين الشيطان إنما هو بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها. والآية على كلا الوجهين ابتداء وعظ لجميع الناس، وفي ضمن ذلك توبيخ لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود وغيرهم. وقرأ الجمهور « زُيِّن » على بناء الفعل للمفعول، ورفع « حُبُّ » . وقرأ الضحاك ومجاهد « زَيَّن » على بناء الفعل للفاعل، ونصب « حُبَّ » وحركت الهاء من « الشهوات » فرقا بين الاسم والنعت. والشهوات جمع شهوة وهي معروفة. ورجل شهوان للشيء، وشيء شهي أي مشتهى واتباع الشهوات مرد وطاعتها مهلكة. وفي صحيح مسلم: ( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ) رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفائدة هذا التمثيل أن الجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره وبالصبر عليها. وأن النار لا ينجى منها إلا بترك الشهوات وفطام النفس عنها. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( طريق الجنة حزن بربوة وطريق النار سهل بسهوة... ) ؛ وهو معنى قوله ( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ) . أي طريق الجنة صعبة المسلك فيه أعلى ما يكون من الروابي، وطريق النار سهل لا غلظ فيه ولا وعورة، وهو معنى قوله ( سهل بسهوة ) وهو بالسين المهملة.
قوله تعالى: « من النساء » بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس إليهن؛ لأنهن حبائل الشيطان وفتنة الرجال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء ) أخرجه البخاري ومسلم. ففتنة النساء أشد من جميع الأشياء. ويقال: في النساء فتنتان، وفي الأولاد فتنة واحدة. فأما اللتان في النساء فإحداهما أن تؤدي إلى قطع الرحم؛ لأن المرأة تأمر زوجها بقطعه عن الأمهات والأخوات. والثانية يبتلى بجمع المال من الحلال والحرام. وأما البنون فإن الفتنة فيهم واحدة وهو ما ابتلي بجمع المال لأجلهم. وروى عبدالله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتاب ) . حذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن في إسكانهن الغرف تطلعا إلى الرجال، وليس في ذلك تحصين لهن ولا ستر؛ لأنهن قد يشرفن على الرجال فتحدث الفتنة والبلاء، ولأنهن قد خلقن من الرجل؛ فهمتها في الرجل والرجل خلق فيه الشهوة وجعلت سكنا له؛ فغير مأمون كل واحد منهما على صاحبه. وفي تعلمهن الكتاب هذا المعنى من الفتنة وأشد. وفي كتاب الشهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أعروا النساء يلزمن الحجال ) . فعلى الإنسان إذا لم يصبر في هذه الأزمان أن يبحث عن ذات الدين ليسلم له الدين؛ قال صلى الله عليه وسلم: ( عليك بذات الدين تربت يداك ) أخرجه مسلم عن أبي هريرة. وفي سنن ابن ماجة عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل ) .
قوله تعالى: « والبنين » عطف على ما قبله. وواحد من البنين ابن. قال الله تعالى مخبرا عن نوح: ( إن ابني من أهلي ) . وتقول في التصغير « بني » كما قال لقمان. وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأشعث بن قيس: ( هل لك من ابنة حمزة من ولد ) ؟ قال: نعم، لي منها غلام ولوددت أن لي به جفنة من طعام أطعمها من بقي من بني جبلة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لئن قلت بذلك إنهم لثمرة القلوب وقرة الأعين وإنهم مع ذلك لمجبنة مبخلة محزنة ) .
قوله تعالى: « والقناطير » القناطير جمع قنطار، كما قال تعالى: « وآتيتم إحداهن قنطارا » [ النساء: 20 ] وهو العقدة الكبيرة من المال، وقيل: هو اسم للمعيار الذي يوزن به؛ كما هو الرطل والربع. ويقال لما بلغ ذلك الوزن: هذا قنطار، أي يعدل القنطار. والعرب تقول: قنطر الرجل إذا بلغ ماله أن يوزن بالقنطار. وقال الزجاج: القنطار مأخوذ من عقد الشيء وإحكامه؛ تقول العرب: قنطرت الشيء إذا أحكمته؛ ومنه سميت القنطرة لإحكامها. قال طرفة:
كقنطرة الرومي أقسم ربها لتكتنفن حتى تشاد بقرمد
والقنطرة المعقودة؛ فكأن القنطار عقد مال. واختلف العلماء في تحرير حده كم هو على أقوال عديدة؛ فروى أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية ) ؛ وقال بذلك معاذ بن جبل وعبدالله بن عمر وأبو هريرة وجماعة من العلماء. قال ابن عطية: وهو أصح الأقوال، لكن القنطار على هذا يختلف باختلاف البلاد في قدر الأوقية. وقيل: اثنا عشر ألف أوقية؛ أسنده البستي في مسنده الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « القنطار اثنا عشر ألف أوقية الأوقية خير مما بين السماء والأرض » . وقال بهذا القول أبو هريرة أيضا. وفي مسند أبي محمد الدارمي عن أبي سعيد الخدري قال: « من قرأ في ليلة عشر آيات كتب من الذاكرين، ومن قرأ بمائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ بخمسمائة آية إلى الألف أصبح وله قنطار من الأجر » قيل: وما القنطار؟ قال: « ملء مسك ثور ذهبا » . موقوف؛ وقال به أبو نضرة العبدي. وذكر ابن سيده أنه هكذا بالسريانية. وقال النقاش عن ابن الكلبي أنه هكذا بلغة الروم. وقال ابن عباس والضحاك والحسن: ألف ومائتا مثقال من الفضة؛ ورفعه الحسن. وعن ابن عباس: اثنا عشر ألف درهم من الفضة، ومن الذهب ألف دينار دية الرجل المسلم؛ وروى عن الحسن والضحاك. وقال سعيد بن المسيب: ثمانون ألفا. قتادة: مائة رطل من الذهب أو ثمانون ألف درهم من الفضة. وقال أبو حمزة الثمالي: القنطار بإفريقية والأندلس ثمانية آلاف مثقال من ذهب أو فضة. السدي: أربعة آلاف مثقال. مجاهد: سبعون ألف مثقال؛ وروي عن ابن عمر. وحكى مكي قولا أن القنطار أربعون أوقية من ذهب أو فضة؛ وقاله ابن سيده في المحكم، وقال: القنطار بَرْبَرْ ألف مثقال. وقال الربيع بن أنس: القنطار المال الكثير بعضه على بعض؛ وهذا هو المعروف عند العرب، ومنه قوله: « وآتيتم إحداهن قنطارا » أي مالا كثيرا. ومنه الحديث: ( إن صفوان بن أمية قنطر في الجاهلية وقنطر أبوه ) أي صار له قنطار من المال. وعن الحكم هو ما بين السماء والأرض. واختلفوا في معنى « المقنطرة » فقال الطبري وغيره: معناه المضعفة، وكأن القناطير ثلاثة والمقنطرة تسع. وروى عن الفراء أنه قال: القناطير جمع القنطار، والمقنطرة جمع الجمع، فيكون تسع قناطير. السدي: المقنطرة المضروبة حتى صارت دنانير أو دراهم. مكي: المقنطرة المكملة؛ وحكاه الهروي؛ كما يقال: بدر مبدرة، وآلاف مؤلفة. وقال بعضهم. ولهذا سمي البناء القنطرة لتكاثف البناء بعضه على بعض. ابن كيسان والفراء: لا تكون المقنطرة أقل من تسع قناطير. وقيل: المقنطرة إشارة إلى حضور المال وكونه عتيدا. وفي صحيح البستي عن عبدالله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطِرين ) .
قوله تعالى: « من الذهب والفضة » الذهب مؤنثة؛ يقال: هي الذهب الحسنة جمعها ذهاب وذُهوب. ويجوز أن يكون جمع ذَهْبَة، ويجمع على الأذهاب. وذهب فلان مذهبا حسنا. والذهب: مكيال لأهل اليمن. ورجل ذَهِب إذا رأى معدن الذهب فدهش. والفضة معروفة، وجمعها فضض. فالذهب مأخوذة من الذهاب، والفضة مأخوذة من انفض الشيء تفرق؛ ومنه فَضَضْت القوم فانفضوا، أي فرقتهم فتفرقوا. وهذا الاشتقاق يشعر بزوالهما وعدم ثبوتهما كما هو مشاهد في الوجود. ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول بعضهم:
النار آخر دينار نطقت به والهم آخر هذا الدرهم الجاري
والمرء بينهما إن كان ذا ورع معذب القلب بين الهم والنار
قوله تعالى: « والخيل » الخيل مؤنثة. قال ابن كيسان: حدثت عن أبي عبيدة أنه قال: واحد الخيل خائل، مثل طائر وطير، وضائن وضين؛ وسمي الفرس بذلك لأنه يختال في مشيه. وقال غيره: هو اسم جمع لا واحد له من لفظه، واحد فرس، كالقوم والرهط والنساء والإبل ونحوها. وفي الخبر من حديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله خلق الفرس من الريح ولذلك جعلها تطير بلا جناح ) . وهب بن منبه: خلقها من ريح الجنوب. قال وهب: فليس تسبيحة ولا تكبيرة ولا تهليلة يكبرها صاحبها إلا وهو يسمعها فيجيبه بمثلها. وسيأتي لذكر الخيل ووصفها في سورة « الأنفال » ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى. وفي الخبر: ( إن الله عرض على آدم جميع الدواب، فقيل له: اختر منها واحدا فاختار الفرس؛ فقيل له: اخترت عزك ) ؛ فصار اسمه الخير من هذا الوجه. وسميت خيلا لأنها موسومة بالعز فمن ركبه اعتز بنحلة الله له ويختال به على أعداء الله تعالى. وسمي فرسا لأنه يفترس مسافات الجو افتراس الأسد وثبانا، ويقطعها كالالتهام بيديه على شيء خبطا وتناولا، وسمي عربيا لأنه جيء به من بعد آدم لإسماعيل جزاء عن رفع قواعد البيت، وإسماعيل عربي، فصار له نحلة من الله تعالى فسمي عربيا. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يدخل الشيطان دارا فيها فرس عتيق ) . وإنما سمي عتيقا لأنه قد تخلص من الهجانة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم ثم الأقرح المحجل طلق اليمين فإن لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية ) . أخرجه الترمذي عن أبي قتادة. وفي مسند الدارمي عنه أن رجلا قال: يا رسول الله، إني أريد أن أشتري فرسا فأيها أشتري؟ قال: ( اشتر أدهم أرثم محجلا طلق اليمين أو من الكميت على هذه الشية تغنم وتسلم ) . وروى النسائي عن أنس قال: لم يكن أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل. وروى الأئمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الخيل ثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل وزر... ) الحديث بطوله، شهرته أغنت عن ذكره. وسيأتي ذكر أحكام الخيل في « الأنفال » و « النحل » بما فيه كفاية إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: « المسومة » يعني الراعية في المروج والمسارح؛ قاله سعيد بن جبير. يقال: سامت الدابة والشاة إذا سرحت تسوم سوما فهي سائمة. وأسمتها أنا إذا تركتها لذلك فهي مسامة. وسومتها تسويما فهي مسومة. وفي سنن ابن ماجة عن علي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السوم قبل طلوع الشمس، وعن ذبح ذوات الدر. السوم هنا في معنى الرعي. وقال الله عز وجل: « فيه تسيمون »
[ النحل:10 ] قال الأخطل:
مثل ابن بزعة أو كآخر مثله أولى لك ابن مسيمة الأجمال
أراد ابن راعية الإبل. والسوام: كل بهيمة ترعى، وقيل: المعدة للجهاد؛ قاله ابن زيد. مجاهد: المسومة المطهمة الحسان. وقال عكرمة: سومها الحسن؛ واختاره النحاس، من قولهم: رجل وسيم. وروي عن ابن عباس أنه قال: المسومة المعلمة بشيات الخيل في وجوهها، من السيما وهي العلامة. وهذا مذهب الكسائي وأبي عبيدة.
قلت: كل ما ذكر يحتمله اللفظ، فتكون راعية معدة حسانا معلمة لتعرف من غيرها. قال أبو زيد: أصل ذلك أن تجعل عليها صوفة أو علامة تخالف سائر جسدها لتبين من غيرها في المرعى. وحكى ابن فارس اللغوي في مجمله: المسومة المرسلة وعليها ركبانها. وقال المؤرج: المسومة المكوية، المبرد: المعروفة في البلدان. ابن كيسان: البلق. وكلها متقارب من السيما. قال النابغة:
وضمر كالقداح مسومات عليها معشر أشباه جن
قوله تعالى: « والأنعام » قال ابن كيسان: إذا قلت نعم لم تكن إلا للإبل، فإذا قلت أنعام وقعت للإبل وكل ما يرعى. قال الفراء: هو مذكر ولا يؤنث؛ يقولون هذا نعم وارد، ويجمع أنعاما. قال الهروي: والنعم يذكر ويؤنث، والأنعام المواشي من الإبل والبقر والغنم؛، إذا قيل: النعم فهو الإبل خاصة. وقال حسان:
وكانت لا يزال بها أنيس خلال مروجها نعم وشاء
وفي سنن ابن ماجة عن عروة البارقي يرفعه قال: ( الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة ) . وفيه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الشاة من دواب الجنة ) . وفيه عن أبي هريرة قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأغنياء باتخاذ الغنم، والفقراء باتخاذ الدجاج. وقال: عند اتخاذ الأغنياء الدجاج يأذن الله تعالى بهلاك القرى. وفيه عن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ( اتخذي غنما فإن فيها بركة ) . أخرجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم هانئ، إسناد صحيح.
قوله تعالى: « والحرث » الحرث هنا اسم لكل ما يحرث، وهو مصدر سمي به؛ تقول: حرث الرجل حرثا إذا أثار الأرض لمعنى الفلاحة؛ فيقع اسم الحراثة على زرع الحبوب وعلى الجنات وعلى غير ذلك من نوع الفلاحة. وفي الحديث: ( احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا ) . يقال حرثت واحترثت. وفي حديث عبدالله ( احرثوا هذا القرآن ) أي فتشوه. قال ابن الأعرابي: الحرث التفتيش؛ وفي الحديث: ( أصدق الأسماء الحارث ) لأن الحارث هو الكاسب، واحتراث المال كسبه، والمحراث مسعر النار والحراث مجرى الوتر في القوس، والجمع أحرثة، وأحرث الرجل ناقته أهزلها. وفي حديث معاوية: ما فعلت نواضحكم؟ قالوا: حرثناها يوم بدر. قال أبو عبيد: يعنون هزلناها؛ يقال: حرثت الدابة وأحرثتها، لغتان. وفي صحيح البخاري عن أبي أمامة الباهلي قال وقد رأى سكة وشيئا من آلة الحرث فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يدخل هذا بيت قوم إلا دخله الذل ) . قيل: إن الذل هنا ما يلزم أهل الشغل بالحرث من حقوق الأرض التي يطالبهم بها الأئمة والسلاطين. وقال المهلب: معنى قوله في هذا الحديث والله أعلم الحض على معالي الأحوال وطلب الرزق من أشرف الصناعات؛ وذلك لما خشي النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من الاشتغال بالحرث وتضييع ركوب الخيل والجهاد في سبيل الله؛ لأنهم إن اشتغلوا بالحرث غلبتهم الأمم الراكبة للخيل المتعيشة من مكاسبها؛ فحضهم على التعيش من الجهاد لا من الخلود إلى عمارة الأرض ولزوم المهنة. ألا ترى أن عمر قال: تمعددوا واخشوشنوا واقطعوا الركب وثبوا على الخيل وثبا لا تغلبنكم عليها رعاة الإبل. فأمرهم بملازمة الخيل، ورياضة أبدانهم بالوثوب عليها. وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما من مسلم غرس غرسا أو زرع زرعا فيأمل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ) .
قال العلماء: ذكر الله تعالى أربعة أصناف من المال، كل نوع من المال يتمول به صنف من الناس؛ أما الذهب والفضة فيتمول بها التجار، وأما الخيل المسومة فيتمول بها الملوك، وأما الأنعام فيتمول بها أهل البوادي، وأما الحرث فيتمول بها أهل الرساتيق. فتكون فتنة كل صنف في النوع الذي يتمول، فأما النساء والبنون ففتنة للجميع.
قوله تعالى: « ذلك متاع الحياة الدنيا » أي ما يتمتع به فيها ثم يذهب ولا يبقى. وهذا منه تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة. روى ابن ماجة وغيره عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الدنيا متاع وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة ) . وفي الحديث: ( إزهد في الدنيا يحبك الله ) أي في متاعها من الجاه والمال الزائد على الضروري. قال صلى الله عليه وسلم: ( ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال بيت يسكنه وثوب يواري عورته وجلف الخبز والماء ) أخرجه الترمذي من حديث المقدام بن معد يكرب. وسئل سهل بن عبدالله: بم يسهل على العبد ترك الدنيا وكل الشهوات؟ قال: بتشاغله بما أمر به.
قوله تعالى: « والله عنده حسن المآب » ابتداء وخبر. والمآب المرجع؛ آب يؤوب إيابا إذا رجع؛ قال يؤوب إيابا إذا رجع؛ قال امرؤ القيس:
وقد طوفت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
وقال آخر:
وكل ذي غيبة يؤوب وغائب الموت لا يؤوب
وأصل مآب مأوب، قلبت حركة الواو إلى الهمزة وأبدل من الواو ألف، مثل مقال. ومعنى الآية تقليل الدنيا وتحقيرها والترغيب في حسن المرجع إلى الله تعالى في الآخرة.
الآية: 15 ( قل أأنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد )
منتهى الاستفهام عند قوله: « من ذلكم » ، « للذين اتقوا » خبر مقدم، و « جنات » رفع بالابتداء. وقيل: منتهاه « عند ربهم » ، و « جنات » على هذا رفع بابتداء مضمر تقديره ذلك جنات. ويجوز على هذا التأويل « جنات » بالخفض بدلا من « خير » ولا يجوز ذلك على الأول. قال ابن عطية: وهذه الآية والتي قبلها نظير قوله عليه السلام: ( تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) خرجه مسلم وغيره. فقوله ( فاظفر بذات الدين ) مثال لهذه الآية. وما قبل مثال للأولى. فذكر تعالى هذه تسلية عن الدنيا وتقوية لنفوس تاركيها. وقد تقدم في البقرة معاني ألفاظ هذه الآية. والرضوان مصدر من الرضا، وهو أنه إذا دخل أهل الجنة يقول الله تعالى لهم ( تريدون شيئا أزيدكم ) ؟ فيقولون: يا ربنا وأي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: ( رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدأ ) خرجه مسلم. وفي قوله تعالى: « والله بصير بالعباد » وعد ووعيد.