منتدى نور الحق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى نور الحق

نور الهدايه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله علبه مسلم
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
تفسير القران فصص الانباء والرسل عظماء فى الاسلام اسلاميات

 

 تفسير الفاتحه ايه 2 ==7 للقرطبى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نور الحق مدير المنتدى

نور الحق مدير المنتدى


عدد المساهمات : 878
نقاط : 2639
تاريخ التسجيل : 15/04/2012
الموقع : نور الحق

تفسير الفاتحه ايه 2 ==7 للقرطبى Empty
مُساهمةموضوع: تفسير الفاتحه ايه 2 ==7 للقرطبى   تفسير الفاتحه ايه 2 ==7 للقرطبى Icon_minitimeالإثنين أبريل 16, 2012 3:51 am

{2} الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي " الْعَالَمِينَ " اِخْتِلَافًا كَثِيرًا ; فَقَالَ قَتَادَةُ : الْعَالَمُونَ جَمْع عَالَم , وَهُوَ كُلّ مَوْجُود سِوَى اللَّه تَعَالَى , وَلَا وَاحِد لَهُ مِنْ لَفْظه مِثْل رَهْط وَقَوْم . وَقِيلَ : أَهْل كُلّ زَمَان عَالَم ; قَالَهُ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " أَتَأْتُونَ الذُّكْرَان مِنْ الْعَالَمِينَ " [ الشُّعَرَاء : 165 ] أَيْ مِنْ النَّاس . وَقَالَ الْعَجَّاج : فَخِنْدِفٌ هَامَة هَذَا الْعَأْلَمِ وَقَالَ جَرِير بْن الْخَطَفِيّ : تُنَصِّفهُ الْبَرِيَّة وَهُوَ سَامٍ وَيُضَحِّي الْعَالَمُونَ لَهُ عِيَالًا وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْعَالَمُونَ الْجِنّ وَالْإِنْس ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا " [ الْفُرْقَان : 1 ] وَلَمْ يَكُنْ نَذِيرًا لِلْبَهَائِمِ . وَقَالَ الْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْدَة : الْعَالَم عِبَارَة عَمَّنْ يَعْقِل ; وَهُمْ أَرْبَعَة أُمَم : الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين. وَلَا يُقَال لِلْبَهَائِمِ : عَالَم , لِأَنَّ هَذَا الْجَمْع إِنَّمَا هُوَ جَمْع مَنْ يَعْقِل خَاصَّة . قَالَ الْأَعْشَى : مَا إِنْ سَمِعْت بِمِثْلِهِمْ فِي الْعَالَمِينَا وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : هُمْ الْمُرْتَزِقُونَ ; وَنَحْوه قَوْل أَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء : هُمْ الرُّوحَانِيُّونَ . وَهُوَ مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : كُلّ ذِي رُوح دَبَّ عَلَى وَجْه الْأَرْض . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَمَانِيَة عَشَر أَلْف عَالَم ; الدُّنْيَا عَالَم مِنْهَا . وَقَالَ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ : إِنَّ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ أَلْف عَالَم ; الدُّنْيَا مِنْ شَرْقهَا إِلَى غَرَبَهَا عَالَم وَاحِد . وَقَالَ مُقَاتِل : الْعَالَمُونَ ثَمَانُونَ أَلْف عَالَم , أَرْبَعُونَ أَلْف عَالَم فِي الْبَرّ , وَأَرْبَعُونَ أَلْف عَالَم فِي الْبَحْر . وَرَوَى الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَالَ : الْجِنّ عَالَم , وَالْإِنْس عَالَم ; وَسِوَى ذَلِكَ لِلْأَرْضِ أَرْبَع زَوَايَا فِي كُلّ زَاوِيَة أَلْف وَخَمْسمِائَةِ عَالَم , خَلَقَهُمْ لِعِبَادَتِهِ.

قُلْت : وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ هَذِهِ الْأَقْوَال ; لِأَنَّهُ شَامِل لِكُلِّ مَخْلُوق وَمَوْجُود ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " قَالَ فِرْعَوْن وَمَا رَبّ الْعَالَمِينَ. قَالَ رَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا " [ الشُّعَرَاء : 23 ] ثُمَّ هُوَ مَأْخُوذ مِنْ الْعِلْم وَالْعَلَامَة ; لِأَنَّهُ يَدُلّ عَلَى مُوجِده . كَذَا قَالَ الزَّجَّاج قَالَ : الْعَالَم كُلّ مَا خَلَقَهُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَقَالَ الْخَلِيل : الْعِلْم وَالْعَلَامَة وَالْمَعْلَم : مَا دَلَّ عَلَى الشَّيْء ; فَالْعَالِم دَالٌّ عَلَى أَنَّ لَهُ خَالِقًا وَمُدْبِرًا , وَهَذَا وَاضِح . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ بَيْن يَدَيْ الْجُنَيْد : الْحَمْد لِلَّهِ ; فَقَالَ لَهُ : أَتَمّهَا كَمَا قَالَ اللَّه , قُلْ رَبّ الْعَالَمِينَ ; فَقَالَ الرَّجُل : وَمَنْ الْعَالَمِينَ حَتَّى تُذْكَر مَعَ الْحَقّ ؟ قَالَ : قُلْ يَا أَخِي ؟ فَإِنَّ الْمُحْدَث إِذَا قُرِنَ مَعَ الْقَدِيم لَا يَبْقَى لَهُ أَثَر . يَجُوز الرَّفْع وَالنَّصْب فِي " رَبّ " فَالنَّصَب عَلَى الْمَدْح , وَالرَّفْع عَلَى الْقَطْع ; أَيْ هُوَ رَبّ الْعَالَمِينَ .
{3} الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَصَفَ نَفْسه تَعَالَى بَعْد " رَبّ الْعَالَمِينَ " , بِأَنَّهُ " الرَّحْمَن الرَّحِيم " ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي اِتِّصَافه بِ " رَبّ الْعَالَمِينَ " تَرْهِيب قَرَنَهُ بِ " الرَّحْمَن الرَّحِيم " , لِمَا تَضَمَّنَ مِنْ التَّرْغِيب ; لِيَجْمَع فِي صِفَاته بَيْن الرَّهْبَة مِنْهُ , وَالرَّغْبَة إِلَيْهِ ; فَيَكُون أَعْوَن عَلَى طَاعَته وَأَمْنَع ; كَمَا قَالَ : " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُور الرَّحِيم . وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَاب الْأَلِيم " [ الْحِجْر : 49 , 50 ] . وَقَالَ : " غَافِر الذَّنْب وَقَابِل التَّوْب شَدِيد الْعِقَاب ذِي الطَّوْل " [ غَافِر : 3 ] . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْ يَعْلَم الْمُؤْمِن مَا عِنْد اللَّه مِنْ الْعُقُوبَة مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَد وَلَوْ يَعْلَم الْكَافِر مَا عِنْد اللَّه مِنْ الرَّحْمَة مَا قَنِطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَد ) . وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ مِنْ الْمَعَانِي , فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ .
{4} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ

قَرَأَ مُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع بِنَصْبِ مَالِك ; وَفِيهِ أَرْبَع لُغَات : مَالِك وَمَلِك وَمَلْك - مُخَفَّفَة مِنْ مَلِك - وَمَلِيك . قَالَ الشَّاعِر : وَأَيَّام لَنَا غُرّ طِوَال عَصَيْنَا الْمَلْك فِيهَا أَنْ نَدِينَا وَقَالَ آخَر : فَاقْنَعْ بِمَا قَسَمَ الْمَلِيك فَإِنَّمَا قَسَمَ الْخَلَائِق بَيْننَا عَلَّامُهَا الْخَلَائِق : الطَّبَائِع الَّتِي جُبِلَ الْإِنْسَان عَلَيْهَا . وَرُوِيَ عَنْ نَافِع إِشْبَاع الْكِسْرَة فِي " مَلِك " فَيَقْرَأ " مَلِكِي " عَلَى لُغَة مَنْ يُشْبِع الْحَرَكَات , وَهِيَ لُغَة لِلْعَرَبِ ذَكَرَهَا الْمَهْدَوِيّ وَغَيْره .

اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء أَيّمَا أَبْلَغُ : مَلِك أَوْ مَالِك ؟ وَالْقِرَاءَتَانِ مَرْوِيَّتَانِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَعُمَر . ذَكَرَهُمَا التِّرْمِذِيّ ; فَقِيلَ : " مَلِك " أَعَمّ وَأَبْلَغ مِنْ " مَالِك " إِذْ كُلّ مَلِك مَالِك , وَلَيْسَ كُلّ مَالِك مَلِكًا ; وَلِأَنَّ الْمِلْك نَافِذ عَلَى الْمَالِك فِي مُلْكه , حَتَّى لَا يَتَصَرَّف إِلَّا عَنْ تَدْبِير الْمَلِك , قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْمُبَرِّد . وَقِيلَ : " مَالِك " أَبْلَغ ; لِأَنَّهُ يَكُون مَالِكًا لِلنَّاسِ وَغَيْرهمْ ; فَالْمَالِك أَبْلَغ تَصَرُّفًا وَأَعْظَم ; إِذْ إِلَيْهِ إِجْرَاء قَوَانِين الشَّرْع , ثُمَّ عِنْده زِيَادَة التَّمَلُّك . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : حَكَى أَبُو بَكْر بْن السَّرَّاج عَنْ بَعْض مَنْ اِخْتَارَ الْقِرَاءَة بِ " مَالِك " أَنَّ اللَّه سُبْحَانه قَدْ وَصَفَ نَفْسه بِأَنَّهُ مَالِك كُلّ شَيْء بِقَوْلِ : " رَبّ الْعَالَمِينَ " فَلَا فَائِدَة فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " مَالِك " لِأَنَّهَا تَكْرَار . قَالَ أَبُو عَلِيّ : وَلَا حُجَّة فِي هَذَا ; لِأَنَّ فِي التَّنْزِيل أَشْيَاء عَلَى هَذِهِ الصُّورَة , تَقَدُّم الْعَامّ ثُمَّ ذِكْر الْخَاصّ كَقَوْلِهِ : " هُوَ اللَّه الْخَالِق الْبَارِئ الْمُصَوِّر " فَالْخَالِق يَعُمّ . وَذَكَرَ الْمُصَوِّر لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْبِيه عَلَى الصَّنْعَة وَوُجُود الْحِكْمَة , وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ " بَعْد قَوْله : " الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " . وَالْغَيْب يَعُمّ الْآخِرَة وَغَيْرهَا ; وَلَكِنْ ذَكَرَهَا لِعِظَمِهَا , وَالتَّنْبِيه عَلَى وُجُوب اِعْتِقَادهَا , وَالرَّدّ عَلَى الْكَفَرَة الْجَاحِدِينَ لَهَا ; وَكَمَا قَالَ : " الرَّحْمَن الرَّحِيم " فَذَكَرَ " الرَّحْمَن " الَّذِي هُوَ عَامّ وَذَكَرَ " الرَّحِيم " بَعْده , لِتَخْصِيصِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ فِي قَوْله : " وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا " . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : إِنَّ مَالِكًا أَبْلَغَ فِي مَدْح الْخَالِق مِنْ " مَلِك " , و" مَلِك " أَبْلَغ فِي مَدْح الْمَخْلُوقِينَ مِنْ مَالِك ; وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الْمَالِك مِنْ الْمَخْلُوقِينَ قَدْ يَكُون غَيْر مَلِك وَإِذَا كَانَ اللَّه تَعَالَى مَالِكًا كَانَ مَلِكًا , وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ وَذَكَرَ ثَلَاثَة أَوْجُه ;

الْأَوَّل : أَنَّك تُضِيفهُ إِلَى الْخَاصّ وَالْعَامّ , فَتَقُول : مَالِك الدَّار وَالْأَرْض وَالثَّوْب , كَمَا تَقُول : مَالِك الْمُلُوك .

الثَّانِي : أَنَّهُ يُطْلَق عَلَى مَالِك الْقَلِيل وَالْكَثِير ; وَإِذَا تَأَمَّلْت هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَجَدْتهمَا وَاحِدًا .

وَالثَّالِث : أَنَّك تَقُول : مَالِك الْمُلْك ; وَلَا تَقُول : مَلِك الْمُلْك .

قَالَ اِبْن الْحَصَّار : إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَاد مِنْ " مَالِك " الدَّلَالَة عَلَى الْمِلْك - بِكَسْرِ الْمِيم - وَهُوَ لَا يَتَضَمَّن " الْمُلْك " - بِضَمِّ الْمِيم - و" مُلْك " يَتَضَمَّن الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فَهُوَ أَوْلَى بِالْمُبَالَغَةِ . وَيَتَضَمَّن أَيْضًا الْكَمَال , وَلِذَلِكَ اِسْتَحَقَّ الْمُلْك عَلَى مَنْ دُونَهُ ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله تَعَالَى : " إِنَّ اللَّه اِصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم " [ الْبَقَرَة : 247 ] وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( الْإِمَامَة فِي قُرَيْش ) وَقُرَيْش أَفْضَل قَبَائِل الْعَرَب , وَالْعَرَب أَفْضَل مِنْ الْعَجَم وَأَشْرَف . وَيَتَضَمَّن الِاقْتِدَار وَالِاخْتِيَار وَذَلِكَ أَمْر ضَرُورِيّ فِي الْمِلْك , إِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا مُخْتَارًا نَافِذًا حُكْمه وَأَمْره , قَهَرَهُ عَدُوّهُ وَغَلَبَهُ غَيْره وَازْدَرَتْهُ رَعِيَّته , وَيَتَضَمَّن الْبَطْش وَالْأَمْر وَالنَّهْي وَالْوَعْد وَالْوَعِيد ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْل سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام : " مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُد أَمْ كَانَ مِنْ الْغَائِبِينَ . لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا " [ النَّمْل : 20 , 21 ] إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور الْعَجِيبَة وَالْمَعَانِي الشَّرِيفَة الَّتِي لَا تُوجَد فِي الْمَالِك .

قُلْت : وَقَدْ اِحْتَجَّ بَعْضهمْ عَلَى أَنَّ مَالِكًا أَبْلَغ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَة حَرْف ; فَلِقَارِئِهِ عَشْر حَسَنَات زِيَادَة عَمَّنْ قَرَأَ مَلِك . قُلْت : هَذَا نَظَر إِلَى الصِّيغَة لَا إِلَى الْمَعْنَى , وَقَدْ ثَبَتَتْ الْقِرَاءَة بِمَلِكِ وَفِيهِ مِنْ الْمَعْنَى مَا لَيْسَ فِي مَالِك , عَلَى مَا بَيَّنَّا وَاَللَّه أَعْلَم .

لَا يَجُوز أَنْ يَتَسَمَّى أَحَد بِهَذَا الِاسْم وَلَا يُدْعَى بِهِ إِلَّا اللَّه تَعَالَى ; رَوَى الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَقْبِض اللَّه الْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة وَيَطْوِي السَّمَاء بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُول أَنَا الْمَلِك أَيْنَ مُلُوك الْأَرْض ) وَعَنْهُ أَيْضًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَخْنَع اِسْم عِنْد اللَّه رَجُل تَسَمَّى مَلِك الْأَمْلَاك - زَادَ مُسْلِم - لَا مَالِك إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ) قَالَ سُفْيَان : مِثْل : شَاهَانْ شَاه . وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل : سَأَلْت أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَنْ أَخْنَع ; فَقَالَ : أَوْضَع . وَعَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَغْيَظ رَجُل عَلَى اللَّه يَوْم الْقِيَامَة وَأَخْبَثه رَجُل [ كَانَ ] يُسَمَّى مَلِك الْأَمْلَاك لَا مَلِك إِلَّا اللَّه سُبْحَانه ) . قَالَ اِبْن الْحَصَّار : وَكَذَلِكَ " مَلِك يَوْم الدِّين " و" مَالِك الْمُلْك " لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَف فِي أَنَّ هَذَا مُحَرَّم عَلَى جَمِيع الْمَخْلُوقِينَ كَتَحْرِيمِ مَلِك الْأَمْلَاك سَوَاء , وَأَمَّا الْوَصْف بِمَالِك وَمَلِك وَهِيَ : فَيَجُوز أَنْ يُوصَف بِهِمَا مَنْ اِتَّصَفَ بِمَفْهُومِهِمَا ; قَالَ اللَّه الْعَظِيم : " إِنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا " [ الْبَقَرَة : 247 ]. وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نَاس مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاة فِي سَبِيل اللَّه يَرْكَبُونَ ثَبَج هَذَا الْبَحْر مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّة أَوْ مِثْل الْمُلُوك عَلَى الْأَسِرَّة ) . إِنْ قَالَ قَائِل : كَيْف قَالَ " مَالِك يَوْم الدِّين " وَيَوْم الدِّين لَمْ يُوجَد بَعْد , فَكَيْفَ وَصَفَ نَفْسه بِمَلِكِ مَا لَمْ يُوجِدهُ ؟ قِيلَ لَهُ : اِعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا اِسْم فَاعِل مِنْ مَلَكَ يَمْلِك , وَاسْم الْفَاعِل فِي كَلَام الْعَرَب قَدْ يُضَاف إِلَى مَا بَعْده وَهُوَ بِمَعْنَى الْفِعْل الْمُسْتَقْبَل وَيَكُون ذَلِكَ عِنْدهمْ كَلَامًا سَدِيدًا مَعْقُولًا صَحِيحًا ; كَقَوْلِك : هَذَا ضَارِب زَيْد غَدًا ; أَيْ سَيَضْرِبُ زَيْدًا . وَكَذَلِكَ : هَذَا حَاجّ بَيْت اللَّه فِي الْعَام الْمُقْبِل , تَأْوِيله سَيَحُجُّ فِي الْعَام الْمُقْبِل ; أَفَلَا تَرَى أَنَّ الْفِعْل قَدْ يُنْسَب إِلَيْهِ وَهُوَ لَمْ يَفْعَلهُ بَعْد , وَإِنَّمَا أُرِيد بِهِ الِاسْتِقْبَال ; فَكَذَلِكَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : " مَالِك يَوْم الدِّين " عَلَى تَأْوِيل الِاسْتِقْبَال , أَيْ سَيَمْلِكُ يَوْم الدِّين أَوْ فِي يَوْم الدِّين إِذَا حَضَرَ .

وَوَجْه ثَانٍ : أَنْ يَكُون تَأْوِيل الْمَالِك رَاجِعًا إِلَى الْقُدْرَة , أَيْ إِنَّهُ قَادِر فِي يَوْم الدِّين , أَوْ عَلَى يَوْم الدِّين وَإِحْدَاثه ; لِأَنَّ الْمَالِك لِلشَّيْءِ هُوَ الْمُتَصَرِّف فِي الشَّيْء وَالْقَادِر عَلَيْهِ ; وَاَللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَالِك الْأَشْيَاء كُلّهَا وَمُصَرِّفهَا عَلَى إِرَادَته , لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء . وَالْوَجْه الْأَوَّل أَمَسّ بِالْعَرَبِيَّةِ وَأَنْفَذ فِي طَرِيقهَا ; قَالَهُ أَبُو الْقَاسِم الزَّجَّاجِيّ .

وَوَجْه ثَالِث : فَيُقَال لِمَ خَصَّصَ يَوْم الدِّين وَهُوَ مَالِك يَوْم الدِّين وَغَيْره ؟ قِيلَ لَهُ : لِأَنَّ فِي الدُّنْيَا كَانُوا مُنَازِعِينَ فِي الْمُلْك , مِثْل فِرْعَوْن وَنُمْرُوذ وَغَيْرهمَا , وَفِي ذَلِكَ الْيَوْم لَا يُنَازِعهُ أَحَد فِي مُلْكه , وَكُلّهمْ خَضَعُوا لَهُ , كَمَا قَالَ تَعَالَى : " لِمَنْ الْمُلْك الْيَوْم " [ غَافِر : 16 ] فَأَجَابَ جَمِيع الْخَلْق : " لِلَّهِ الْوَاحِد الْقَهَّار " [ غَافِر : 16 ] فَلِذَلِكَ قَالَ : مَالِك يَوْم الدِّين ; أَيْ فِي ذَلِكَ الْيَوْم لَا يَكُون مَالِك وَلَا قَاضٍ وَلَا مُجَازٍ غَيْره ; سُبْحَانه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ. إِنْ وُصِفَ اللَّه سُبْحَانه بِأَنَّهُ مَلِك كَانَ ذَلِكَ مِنْ صِفَات ذَاته وَإِنْ وُصِفَ بِأَنَّهُ مَالِك كَانَ ذَلِكَ مِنْ صِفَات فِعْله .
{4} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ

عِبَارَة عَنْ وَقْت طُلُوع الْفَجْر إِلَى وَقْت غُرُوب الشَّمْس , فَاسْتُعِيرَ فِيمَا بَيْن مُبْتَدَأ الْقِيَامَة إِلَى وَقْت اِسْتِقْرَار أَهْل الدَّارَيْنِ فِيهِمَا . وَقَدْ يُطْلَق الْيَوْم عَلَى السَّاعَة مِنْهُ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ " [ الْمَائِدَة : 3 ] وَجَمْع يَوْم أَيَّام ; وَأَصْله أَيْوَام فَأُدْغِمَ ; وَرُبَّمَا عَبَّرُوا عَنْ الشِّدَّة بِالْيَوْمِ , يُقَال : يَوْم أَيْوَم , كَمَا يُقَال : لَيْله لَيْلَاء. قَالَ الرَّاجِز : نِعْمَ أَخُو الْهَيْجَاء فِي الْيَوْم الْيَمِي وَهُوَ مَقْلُوب مِنْهُ , أَخَّرَ الْوَاو وَقَدَّمَ الْمِيم ثُمَّ قُلِبَتْ الْوَاو يَاء حَيْثُ صَارَتْ طَرَفًا ; كَمَا قَالُوا : أَدْلٍ فِي جَمْع دَلْو.
{4} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ

الْجَزَاء عَلَى الْأَعْمَال وَالْحِسَاب بِهَا ; كَذَلِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَابْن جُرَيْج وَقَتَادَة وَغَيْرهمْ , وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : " يَوْمئِذٍ يُوفِيهِمْ اللَّه دِينهمْ الْحَقّ " [ النُّور : 25 ] أَيْ حِسَابهمْ. وَقَالَ : " الْيَوْم تُجْزَى كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ " [ غَافِر : 17 ] و" الْيَوْم تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " [ الْجَاثِيَة : 28 ] وَقَالَ : " أَئِنَّا لَمَدِينُونَ " [ الصَّافَّات : 53 ] أَيْ مَجْزِيُّونَ مُحَاسَبُونَ . وَقَالَ لَبِيد : حَصَادك يَوْمًا مَا زَرَعْت وَإِنَّمَا يُدَان الْفَتَى يَوْمًا كَمَا هُوَ دَائِن وَقَالَ آخَر : إِذَا رَمَوْنَا رَمَيْنَاهُمْ وَدِنَّاهُمْ مِثْل مَا يُقْرِضُونَا وَقَالَ آخَر : وَاعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ مُلْكك زَائِل وَاعْلَمْ بِأَنَّ كَمَا تَدِين تُدَان وَحَكَى أَهْل اللُّغَة : دِنْته بِفِعْلِهِ دَيْنًا ( بِفَتْحِ الدَّال ) وَدِينًا ( بِكَسْرِهَا ) جَزَيْته ; وَمِنْهُ الدَّيَّان فِي صِفَة الرَّبّ تَعَالَى أَيْ الْمُجَازِي ; وَفِي الْحَدِيث : ( الْكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسه ) أَيْ حَاسَبَ. وَقِيلَ : الْقَضَاء وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا ; وَمِنْهُ قَوْل طَرَفَة : لَعَمْرك مَا كَانَتْ حَمُولَة مَعْبَد عَلَى جُدّهَا حَرْبًا لِدِينِك مِنْ مُضَر وَمَعَانِي هَذِهِ الثَّلَاثَة مُتَقَارِبَة . وَالدِّين أَيْضًا : الطَّاعَة وَمِنْهُ قَوْل عَمْرو بْن كُلْثُوم : وَأَيَّام لَنَا غُرّ طِوَال عَصَيْنَا الْمَلك فِيهَا أَنْ نَدِينَا فَعَلَى هَذَا هُوَ لَفْظ مُشْتَرَك وَهِيَ : قَالَ ثَعْلَب : دَانَ الرَّجُل إِذَا أَطَاعَ , وَدَانَ إِذَا عَصَى , وَدَانَ إِذَا عَزَّ , وَدَانَ إِذَا ذَلَّ , وَدَانَ إِذَا قَهَرَ ; فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَاد. وَيُطْلَق الدِّين عَلَى الْعَادَة وَالشَّأْن , كَمَا قَالَ : كَدِينِك مِنْ أُمّ الْحُوَيْرِثِ قَبْلهَا وَقَالَ الْمُثَقِّب [ يَذْكُر نَاقَتَهُ ] : تَقُول إِذَا دَرَأْتُ لَهَا وَضِينِي أَهَذَا دِينه أَبَدًا وَدِينِي وَالدِّين : سِيرَة الْمَلِك . قَالَ زُهَيْر : لَئِنْ حَلَلْت بِجَوٍّ فِي بَنِي أَسَد فِي دِين عَمْرو وَحَالَتْ بَيْننَا فَدَكُ أَرَادَ فِي مَوْضِع طَاعَة عَمْرو . وَالدِّين : الدَّاء ; عَنْ اللِّحْيَانِيّ . وَأَنْشَدَ : يَا دِين قَلْبك مِنْ سَلْمَى وَقَدْ دِينَا
{5} إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ

" إِيَّاكَ نَعْبُد " رَجَعَ مِنْ الْغَيْبَة إِلَى الْخِطَاب عَلَى التَّلْوِين ; لِأَنَّ مِنْ أَوَّل السُّورَة إِلَى هَاهُنَا خَبَرًا عَنْ اللَّه تَعَالَى وَثَنَاء عَلَيْهِ , كَقَوْلِهِ " وَسَقَاهُمْ رَبّهمْ شَرَابًا طَهُورًا " [ الْإِنْسَان : 21 ] . ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء " . وَعَكْسه : " حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ " [ يُونُس : 22 ] عَلَى مَا يَأْتِي .

وَ " نَعْبُد " مَعْنَاهُ نُطِيع ; وَالْعِبَادَة الطَّاعَة وَالتَّذَلُّل. وَطَرِيق مُعَبَّد إِذَا كَانَ مُذَلَّلًا لِلسَّالِكِينَ ; قَالَهُ الْهَرَوِيّ . وَنُطْق الْمُكَلَّف بِهِ إِقْرَار بِالرُّبُوبِيَّةِ وَتَحْقِيق لِعِبَادَةِ اللَّه تَعَالَى ; إِذْ سَائِر النَّاس يَعْبُدُونَ سِوَاهُ مِنْ أَصْنَام وَغَيْر ذَلِكَ .

" وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين " أَيْ نَطْلُب الْعَوْن وَالتَّأْيِيد وَالتَّوْفِيق . قَالَ السُّلَمِيّ فِي حَقَائِقه : سَمِعْت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن شَاذَان يَقُول : سَمِعْت أَبَا حَفْص الْفَرْغَانِيّ يَقُول : مَنْ أَقَرَّ بِ " إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين " فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الْجَبْر وَالْقَدَر . إِنْ قِيلَ : لِمَ قَدَّمَ الْمَفْعُول عَلَى الْفِعْل ؟ قِيلَ لَهُ : قُدِّمَ اِهْتِمَامًا , وَشَأْن الْعَرَب تَقْدِيم الْأَهَمّ. يُذْكَر أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَبَّ آخَر فَأَعْرَضَ الْمَسْبُوب عَنْهُ ; فَقَالَ لَهُ السَّابّ : إِيَّاكَ أَعْنِي : فَقَالَ لَهُ الْآخَر : وَعَنْك أُعْرِض ; فَقَدَّمَا الْأَهَمّ. وَأَيْضًا لِئَلَّا يَتَقَدَّم ذِكْر الْعَبْد وَالْعِبَادَة عَلَى الْمَعْبُود ; فَلَا يَجُوز نَعْبُدك وَنَسْتَعِينك , وَلَا نَعْبُد إِيَّاكَ وَنَسْتَعِين إِيَّاكَ ; فَيُقَدَّم الْفِعْل عَلَى كِنَايَة الْمَفْعُول , وَإِنَّمَا يُتَّبَع لَفْظ الْقُرْآن. وَقَالَ الْعَجَّاج : إِيَّاكَ أَدْعُو فَتَقَبَّلْ مَلَقِي وَاغْفِرْ خَطَايَايَ وَكَثِّرْ وَرَقِي وَيُرْوَى : وَثَمِّرْ . وَأَمَّا قَوْل الشَّاعِر : إِلَيْك حَتَّى بَلَغَتْ إِيَّاكَا فَشَاذّ لَا يُقَاس عَلَيْهِ. وَالْوَرِق بِكَسْرِ الرَّاء مِنْ الدَّرَاهِم , وَبِفَتْحِهَا الْمَال . وَكَرَّرَ الِاسْم لِئَلَّا يُتَوَهَّم إِيَّاكَ نَعْبُد وَنَسْتَعِين غَيْرك . الْجُمْهُور مِنْ الْقُرَّاء وَالْعُلَمَاء عَلَى شَدَّ الْيَاء مِنْ " إِيَّاكَ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ . وَقَرَأَ عَمْرو بْن قَائِد : " إِيَاك " بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَتَخْفِيف الْيَاء , وَذَلِكَ أَنَّهُ كَرِهَ تَضْعِيف الْيَاء لِثِقَلِهَا وَكَوْن الْكِسْرَة قَبْلهَا . وَهَذِهِ قِرَاءَة مَرْغُوب عَنْهَا , فَإِنَّ الْمَعْنَى يَصِير : شَمْسَك نَعْبُد أَوْ ضَوْءَك ; وَإِيَاةُ الشَّمْس ( بِكَسْرِ الْهَمْزَة ) : ضَوْءُهَا ; وَقَدْ تُفْتَح . وَقَالَ : سَقَتْهُ إِيَاةُ الشَّمْس إِلَّا لِثَاته أُسِفّ فَلَمْ تَكْدِم عَلَيْهِ بِإِثْمِدِ فَإِنْ أَسْقَطْت الْهَاء مَدَدْت . وَيُقَال : الْإِيَاةُ لِلشَّمْسِ كَالْهَالَةِ لِلْقَمَرِ , وَهِيَ الدَّارَة حَوْلهَا . وَقَرَأَ الْفَضْل الرَّقَاشِيّ : " أَيَّاك " ( بِفَتْحِ الْهَمْزَة ) وَهِيَ لُغَة مَشْهُورَة . وَقَرَأَ أَبُو السِّوَار الْغَنَوِيّ : " هِيَّاك " فِي الْمَوْضِعَيْنِ , وَهِيَ لُغَة ; قَالَ : فَهِيَّاك وَالْأَمْر الَّذِي إِنْ تَوَسَّعَتْ مَوَارِده ضَاقَتْ عَلَيْك مَصَادِره "وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين " عَطْف جُمْلَة عَلَى جُمْلَة . وَقَرَأَ يَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش : " نِسْتَعِينُ " بِكَسْرِ النُّون , وَهِيَ لُغَة تَمِيم وَأَسَد وَقَيْس وَرَبِيعَة ; لِيَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ اِسْتَعَانَ , فَكُسِرَتْ النُّون كَمَا تُكْسَر أَلِف الْوَصْل . وَأَصْل " نَسْتَعِين " نَسْتَعْوِنُ , قُلِبَتْ حَرَكَة الْوَاو إِلَى الْعَيْن فَصَارَتْ يَاء وَالْمَصْدَر اِسْتِعَانَة , وَالْأَصْل اسْتِعْوَان ; قُلِبَتْ حَرَكَة الْوَاو إِلَى الْعَيْن فَانْقَلَبَتْ أَلِفًا وَلَا يَلْتَقِي سَاكِنَانِ فَحُذِفَتْ الْأَلِف الثَّانِيَة لِأَنَّهَا زَائِدَة , وَقِيلَ الْأُولَى لِأَنَّ الثَّانِيَة لِلْمَعْنَى , وَلَزِمَتْ الْهَاء عِوَضًا .
{6} اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

" اِهْدِنَا " دُعَاء وَرَغْبَة مِنْ الْمَرْبُوب إِلَى الرَّبّ ; وَالْمَعْنَى : دُلَّنَا عَلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم وَأَرْشِدْنَا إِلَيْهِ , وَأَرِنَا طَرِيق هِدَايَتك الْمُوَصِّلَة إِلَى أُنْسِك وَقُرْبك. قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : فَجَعَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عِظَم الدُّعَاء وَجُمْلَته مَوْضُوعًا فِي هَذِهِ السُّورَة , نِصْفهَا فِيهِ مَجْمَع الثَّنَاء , وَنِصْفهَا فِيهِ مَجْمَع الْحَاجَات , وَجَعَلَ هَذَا الدُّعَاء الَّذِي فِي هَذِهِ السُّورَة أَفْضَل مِنْ الَّذِي يَدْعُو بِهِ [ الدَّاعِي ] لِأَنَّ هَذَا الْكَلَام قَدْ تَكَلَّمَ بِهِ رَبّ الْعَالَمِينَ , فَأَنْتَ تَدْعُو بِدُعَاءِ هُوَ كَلَامه الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ ; وَفِي الْحَدِيث : ( لَيْسَ شَيْء أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْ الدُّعَاء ) . وَقِيلَ الْمَعْنَى : أَرْشِدْنَا بِاسْتِعْمَالِ السُّنَن فِي أَدَاء فَرَائِضك ; وَقِيلَ : الْأَصْل فِيهِ الْإِمَالَة ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك " [ الْأَعْرَاف : 156 ] أَيْ مِلْنَا ; وَخَرَجَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي مَرَضه يَتَهَادَى بَيْن اِثْنَيْنِ ; أَيْ يَتَمَايَل . وَمِنْهُ الْهَدِيَّة ; لِأَنَّهَا تُمَال مِنْ مَلِك إِلَى مَلِك . وَمِنْهُ الْهَدْي لِلْحَيَوَانِ الَّذِي يُسَاق إِلَى الْحَرَم ; فَالْمَعْنَى مِلْ بِقُلُوبِنَا إِلَى الْحَقّ . وَقَالَ الْفُضَيْل بْن عِيَاض : " الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " طَرِيق الْحَجّ , وَهَذَا خَاصّ وَالْعُمُوم أَوْلَى . قَالَ مُحَمَّد اِبْن الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ " اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " : هُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا يَقْبَل مِنْ الْعِبَاد غَيْره. وَقَالَ عَاصِم الْأَحْوَل عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : " الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْده . قَالَ عَاصِم فَقُلْت لِلْحَسَنِ : إِنَّ أَبَا الْعَالِيَة يَقُول : " الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم " رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ , قَالَ : صَدَقَ وَنَصَحَ. أَصْل الصِّرَاط فِي كَلَام الْعَرَب الطَّرِيق ; قَالَ عَامِر بْن الطُّفَيْل : شَحَنَّا أَرْضهمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى تَرَكْنَاهُمْ أَذَلَّ مِنْ الصِّرَاط وَقَالَ جَرِير : أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاط إِذَا اِعْوَجَّ الْمَوَارِد مُسْتَقِيم وَقَالَ آخَر : فَصَدَّ عَنْ نَهْج الصِّرَاط الْوَاضِح وَحَكَى النَّقَّاش : الصِّرَاط الطَّرِيق بِلُغَةِ الرُّوم ; فَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا ضَعِيف جِدًّا. وَقُرِئَ : السِّرَاط ( بِالسِّينِ ) مِنْ الِاسْتِرَاط بِمَعْنَى الِابْتِلَاع ; كَأَنَّ الطَّرِيقَ يَسْتَرِط مَنْ يَسْلُكهُ . وَقُرِئَ بَيْنَ الزَّاي وَالصَّاد . وَقُرِئَ بِزَايٍ خَالِصَة وَالسِّين الْأَصْل . وَحَكَى سَلَمَة عَنْ الْفَرَّاء قَالَ : الزِّرَاط بِإِخْلَاصِ الزَّاي لُغَة لِعُذْرَة وَكَلْب وَبَنِي الْقَيْن , قَالَ : وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ [ فِي أَصْدَق ] : أَزْدَق . وَقَدْ قَالُوا الْأَزْد وَالْأَسْد وَلَسِقَ بِهِ وَلَصِقَ بِهِ. وَ " الصِّرَاط " نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُول الثَّانِي ; لِأَنَّ الْفِعْل مِنْ الْهِدَايَة يَتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُول الثَّانِي بِحَرْفِ جَرّ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاط الْجَحِيم " . [ الصَّافَّات : 23 ] . وَبِغَيْرِ حَرْف كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة . " الْمُسْتَقِيم " صِفَة لِ " الصِّرَاط " وَهُوَ الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ وَلَا اِنْحِرَافَ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ " [ الْأَنْعَام : 153 ] وَأَصْله مُسْتَقْوِمٌ , نُقِلَتْ الْحَرَكَة إِلَى الْقَاف وَانْقَلَبَتْ الْوَاو يَاء لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا .
{7} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ

صِرَاط بَدَل مِنْ الْأَوَّل بَدَل الشَّيْء مِنْ الشَّيْء ; كَقَوْلِك : جَاءَنِي زَيْد أَبُوك. وَمَعْنَاهُ : أَدِمْ هِدَايَتَنَا , فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُهْدَى إِلَى الطَّرِيق ثُمَّ يُقْطَع بِهِ . وَقِيلَ : هُوَ صِرَاط آخَر , وَمَعْنَاهُ الْعِلْم بِاَللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَالْفَهْم عَنْهُ ; قَالَهُ جَعْفَر بْن مُحَمَّد. وَلُغَة الْقُرْآن " الَّذِينَ " فِي الرَّفْع وَالنَّصْب وَالْجَرّ , وَهُذَيْل تَقُول : اللَّذُونَ فِي الرَّفْع , وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : اللَّذُو , وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول الَّذِي وَسَيَأْتِي . وَفِي " عَلَيْهِمْ " عَشْر لُغَات ; قُرِئَ بِعَامَّتِهَا : " عَلَيْهُمْ " بِضَمِّ الْهَاء وَإِسْكَان الْمِيم . " وَعَلَيْهِمْ " بِكَسْرِ الْهَاء وَإِسْكَان الْمِيم . وَ " عَلَيْهِمِي " بِكَسْرِ الْهَاء وَالْمِيم وَإِلْحَاق يَاء بَعْد الْكَسْرَة . وَ " عَلَيْهِمُو " بِكَسْرِ الْهَاء وَضَمّ الْمِيم وَزِيَادَة وَاو بَعْدَ الضَّمَّة. وَ " عَلَيْهُمُو " بِضَمِّ الْهَاء وَالْمِيم كِلْتَيْهِمَا وَإِدْخَال وَاو بَعْدَ الْمِيم وَ " عَلَيْهُمُ " بِضَمِّ الْهَاء وَالْمِيم مِنْ غَيْر زِيَادَة وَاو . وَهَذِهِ الْأَوْجُه السِّتَّة مَأْثُورَة عَنْ الْأَئِمَّة مِنْ الْقُرَّاء. وَأَوْجُه أَرْبَعَة مَنْقُولَة عَنْ الْعَرَب غَيْر مَحْكِيَّة عَنْ الْقُرَّاء : " عَلَيْهُمِي " بِضَمِّ الْهَاء وَكَسْر الْمِيم وَإِدْخَال يَاء بَعْد الْمِيم ; حَكَاهَا الْحَسَن الْبَصْرِيّ عَنْ الْعَرَب . وَ " عَلَيْهُمِ " بِضَمِّ الْهَاء وَكَسْر الْمِيم مِنْ غَيْر زِيَادَة يَاء. وَ " عَلَيْهِمُ " بِكَسْرِ الْهَاء وَضَمّ الْمِيم مِنْ غَيْر إِلْحَاق وَاو . وَ " عَلَيْهِمِ " بِكَسْرِ الْهَاء وَالْمِيم وَلَا يَاءَ بَعْدَ الْمِيم . وَكُلّهَا صَوَاب ; قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ . قَرَأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَابْن الزُّبَيْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا " صِرَاط مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ " . وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي الْمُنْعَم عَلَيْهِمْ ; فَقَالَ الْجُمْهُور مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّهُ أَرَادَ صِرَاط النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ. وَانْتَزَعُوا ذَلِكَ مِنْ قَوْله تَعَالَى : " وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا " [ النِّسَاء : 69 ] . فَالْآيَة تَقْتَضِي أَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم , وَهُوَ الْمَطْلُوب فِي آيَة الْحَمْد ; وَجَمِيع مَا قِيلَ إِلَى هَذَا يَرْجِع , فَلَا مَعْنَى لِتَعْدِيدِ الْأَقْوَال وَاَللَّه الْمُسْتَعَان .

وَفِي هَذِهِ الْآيَة رَدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة وَالْمُعْتَزِلَة وَالْإِمَامِيَّة , لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ إِرَادَةَ الْإِنْسَان كَافِيَة فِي صُدُور أَفْعَاله مِنْهُ , طَاعَة كَانَتْ أَوْ مَعْصِيَة ; لِأَنَّ الْإِنْسَان عِنْدَهُمْ خَالِق لِأَفْعَالِهِ , فَهُوَ غَيْر مُحْتَاج فِي صُدُورهَا عَنْهُ إِلَى رَبّه ; وَقَدْ أَكْذَبهمْ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة إِذْ سَأَلُوهُ الْهِدَايَةَ إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم ; فَلَوْ كَانَ الْأَمْر إِلَيْهِمْ وَالِاخْتِيَار بِيَدِهِمْ دُونَ رَبّهمْ لَمَا سَأَلُوهُ الْهِدَايَةَ , وَلَا كَرَّرُوا السُّؤَالَ فِي كُلّ صَلَاة ; وَكَذَلِكَ تَضَرُّعهمْ إِلَيْهِ فِي دَفْع الْمَكْرُوه , وَهُوَ مَا يُنَاقِض الْهِدَايَة حَيْثُ قَالُوا : " صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ " [ الْفَاتِحَة : الْآيَة ]. فَكَمَا سَأَلُوهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ سَأَلُوهُ أَلَّا يَضِلَّهُمْ , وَكَذَلِكَ يَدْعُونَ فَيَقُولُونَ : " رَبّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبنَا بَعْد إِذْ هَدَيْتنَا " [ آل عِمْرَان : 8 ] الْآيَة .
{7} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ

اُخْتُلِفَ فِي " الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " و" الضَّالِّينَ " مَنْ هُمْ فَالْجُمْهُور أَنَّ الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ الْيَهُود , وَالضَّالِّينَ النَّصَارَى ; وَجَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث عَدِيّ بْن حَاتِم وَقِصَّة إِسْلَامه , أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده , وَالتِّرْمِذِيّ فِي جَامِعه . وَشَهِدَ لِهَذَا التَّفْسِير أَيْضًا قَوْله سُبْحَانه فِي الْيَهُود : " وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه " [ الْبَقَرَة : 61 وَآل عِمْرَان : 112 ] . وَقَالَ : " وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ " [ الْفَتْح : 6 ] وَقَالَ فِي النَّصَارَى : " قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْل وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل " [ الْمَائِدَة : 77 ] . وَقِيلَ : " الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " الْمُشْرِكُونَ . وَ " الضَّالِّينَ " الْمُنَافِقُونَ .

وَقِيلَ : " الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " هُوَ مَنْ أَسْقَطَ فَرْض هَذِهِ السُّورَة فِي الصَّلَاة ; و" الضَّالِّينَ " عَنْ بَرَكَة قِرَاءَتهَا. حَكَاهُ السُّلَمِيّ فِي حَقَائِقه وَالْمَاوَرْدِيّ فِي تَفْسِيره ; وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَهَذَا وَجْه مَرْدُود , لِأَنَّ مَا تَعَارَضَتْ فِيهِ الْأَخْبَار وَتَقَابَلَتْ فِيهِ الْآثَار وَانْتَشَرَ فِيهِ الْخِلَاف , لَمْ يَجُزْ أَنْ يُطْلَق عَلَيْهِ هَذَا الْحُكْم . وَقِيلَ : " الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ " بِاتِّبَاعِ الْبِدَع ; وَ " الضَّالِّينَ " عَنْ سُنَن الْهُدَى .

قُلْت : وَهَذَا حَسَن ; وَتَفْسِير النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى وَأَعْلَى وَأَحْسَن . وَ " عَلَيْهِمْ " فِي مَوْضِع رَفْع , لِأَنَّ الْمَعْنَى غَضِبَ عَلَيْهِمْ. وَالْغَضَب فِي اللُّغَة الشِّدَّة. وَرَجُل غَضُوب أَيْ شَدِيد الْخُلُق . وَالْغَضُوب : الْحَيَّة الْخَبِيثَة لِشِدَّتِهَا. وَالْغَضْبَة : الدَّرَقَة مِنْ جِلْد الْبَعِير يُطْوَى بَعْضهَا عَلَى بَعْض ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِشِدَّتِهَا . وَمَعْنَى الْغَضَب فِي صِفَة اللَّه تَعَالَى إِرَادَة الْعُقُوبَة , فَهُوَ صِفَة ذَات , وَإِرَادَة اللَّه تَعَالَى مِنْ صِفَات ذَاته ; أَوْ نَفْس الْعُقُوبَة , وَمِنْهُ الْحَدِيث : ( إِنَّ الصَّدَقَة لَتُطْفِئ غَضَب الرَّبّ ) فَهُوَ صِفَة فِعْل .

" وَلَا الضَّالِّينَ " الضَّلَال فِي كَلَام الْعَرَب هُوَ الذَّهَاب عَنْ سَنَن الْقَصْد وَطَرِيق الْحَقّ ; وَمِنْهُ : ضَلَّ اللَّبَن فِي الْمَاء أَيْ غَابَ. وَمِنْهُ : " أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْض " [ السَّجْدَة : 10 ] أَيْ غِبْنَا بِالْمَوْتِ وَصِرْنَا تُرَابًا ; قَالَ : أَلَمْ تَسْأَل فَتُخْبِرَك الدِّيَار عَنْ الْحَيّ الْمُضَلَّل أَيْنَ سَارُوا وَالضُّلَضِلَةُ : حَجَر أَمْلَس يُرَدِّدهُ الْمَاء فِي الْوَادِي . وَكَذَلِكَ الْغَضْبَة : صَخْرَة فِي الْجَبَل مُخَالِفَة لَوْنه , قَالَ : أَوْ غَضْبَة فِي هَضْبَة مَا أَمْنَعَا قَرَأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَأُبَيّ بْن كَعْب " غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَغَيْر الضَّالِّينَ " وَرُوِيَ عَنْهُمَا فِي الرَّاء النَّصْب وَالْخَفْض فِي الْحَرْفَيْنِ ; فَالْخَفْض عَلَى الْبَدَل مِنْ " الَّذِينَ " أَوْ مِنْ الْهَاء وَالْمِيم فِي " عَلَيْهِمْ " ; أَوْ صِفَة لِلَّذِينَ وَاَلَّذِينَ مَعْرِفَة وَلَا تُوصَف الْمَعَارِف بِالنَّكِرَاتِ وَلَا النَّكِرَات بِالْمَعَارِفِ , إِلَّا أَنَّ الَّذِينَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ قَصْدَهُمْ فَهُوَ عَامّ ; فَالْكَلَام بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك : إِنِّي لَأَمُرّ بِمِثْلِك فَأُكْرِمهُ ; أَوْ لِأَنَّ " غَيْر " تَعَرَّفَتْ لِكَوْنِهَا بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَا وَسَطَ بَيْنَهُمَا , كَمَا تَقُول : الْحَيّ غَيْر الْمَيِّت , وَالسَّاكِن غَيْر الْمُتَحَرِّك , وَالْقَائِم غَيْر الْقَاعِد , قَوْلَانِ : الْأَوَّل لِلْفَارِسِيِّ , وَالثَّانِي لِلزَّمَخْشَرِيِّ . وَالنَّصْب فِي الرَّاء عَلَى وَجْهَيْنِ : عَلَى الْحَال مِنْ الَّذِينَ , أَوْ مِنْ الْهَاء وَالْمِيم فِي عَلَيْهِمْ , كَأَنَّك قُلْت : أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ لَا مَغْضُوبًا عَلَيْهِمْ . أَوْ عَلَى الِاسْتِثْنَاء , كَأَنَّك قُلْت : إِلَّا الْمَغْضُوب عَلَيْهِمْ . وَيَجُوز النَّصْب بِأَعْنِي ; وَحُكِيَ عَنْ الْخَلِيل .

" لَا " فِي قَوْله " وَلَا الضَّالِّينَ " اُخْتُلِفَ فِيهَا , فَقِيلَ هِيَ زَائِدَة ; قَالَهُ الطَّبَرِيّ . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُدَ " [ الْأَعْرَاف : 12 ] . وَقِيلَ : هِيَ تَأْكِيد دَخَلَتْ لِئَلَّا يُتَوَهَّم أَنَّ الضَّالِّينَ مَعْطُوف عَلَى الَّذِينَ , حَكَاهُ مَكِّيّ وَالْمَهْدَوِيّ . وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : " لَا " بِمَعْنَى غَيْر , وَهِيَ قِرَاءَة عُمَر وَأُبَيّ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ .

الْأَصْل فِي " الضَّالِّينَ " : الضَّالِلِينَ حُذِفَتْ حَرَكَة اللَّام الْأُولَى ثُمَّ أُدْغِمَتْ اللَّام فِي اللَّام فَاجْتَمَعَ سَاكِنَانِ مَدَّة الْأَلِف وَاللَّام الْمُدْغَمَة. وَقَرَأَ أَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ : " وَلَا الضَّأْلِينَ " بِهَمْزَةٍ غَيْر مَمْدُودَة ; كَأَنَّهُ فَرَّ مِنْ اِلْتِقَاء السَّاكِنَيْنِ وَهِيَ لُغَة . حَكَى أَبُو زَيْد قَالَ : سَمِعْت عَمْرو بْن عُبَيْد يَقْرَأ : " فَيَوْمئِذٍ لَا يُسْأَل عَنْ ذَنْبه إِنْس وَلَا جَانّ " [ الرَّحْمَن : 39 ] فَظَنَنْته قَدْ لَحَنَ حَتَّى سَمِعْت مِنْ الْعَرَب : دَأَبَّة وَشَأَبَّة . قَالَ أَبُو الْفَتْح : وَعَلَى هَذِهِ اللُّغَة قَوْل كَثِير : إِذَا مَا الْعَوَالِي بِالْعَبِيطِ احْمَأَرَّتْ نُجِزَ تَفْسِير سُورَة الْحَمْد ; وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة .



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kamal.forummaroc.net
 
تفسير الفاتحه ايه 2 ==7 للقرطبى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير الفاتحه ايه 2==للقرطبى
» تفسير الفاتحه ايه 2 للقرطبى
» تفسير سوره الفا تحه ايه رقم 1 للقرطبى
» تفسير القرطبي سورة هود من 82 الي 88
» تفسير القرطبي سورة هود من 89 الي 97

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى نور الحق :: تفسير القران الكريم-
انتقل الى: